بيان بشأن الأزمة الخانقة التي تحدق بالوطن
27/08/2014
بيان بشأن الأزمة الخانقة التي تحدق بالوطن
بسم الله الرحمن الرحيم
يمر اليمن بأزمة خانقة وغير مسبوقة تبدو كمحصلة ونتيجة طبيعية لجملة من الإخفاقات السياسية والأمنية والاقتصادية المتراكمة ليست فقط في المرحلة الانتقالية التي تمتد منذ توقيع المبادرة الخليجية والاتفاق على التسوية السياسية 2011م وإنما نتيجة طبيعية للإخفاقات على مختلف المستويات التي تراكمت منذ عقود وتعاقب معها الفساد كأكثر الحقائق الدالة على الانظمة السابقة ونهجها وطريقة إدارتها ورؤيتها للحاضر وغايتها في المستقبل .
وإذا كانت انطلاقة الحراك الجنوبي عام 2007م قد عبرت شعبياً عن الغضب إزاء سياسة الحكم ولتؤكد الهوة الحاصلة بين الشعب والسلطة وتنذر بعواقب مختلفة فإن ثورة الشباب عام 2011م قد دقت على نفس ناقوس الخطر ولكن على طريقتها وضمن ظروفها المختلفة التي تضمنت الاحتراب داخل العاصمة بين قوى النفوذ المتصارعة وصولاً إلى المبادرة والتسوية السياسية ورعاية المجتمع الإقليمي والدولي لها بوصفها حلاً لذلك الصراع الذي نشأ في العاصمة صنعاء.
وفيما وقع طرفان فقط على المبادرة والتسوية السياسية ظلت أطراف أساسية في الأزمة اليمنية بجنوبها وشمالها خارج إطار هذه التغطية السياسية (الحراك الجنوبي والحوثيين على نحو خاص) وجرى الالتفاف على مطالبهم العادلة والتي نبهنا اليها سابقاً بضرورة معالجتها قبل بدء الحوار ليجري لاحقاً الالتفات إليهم فيما بعد في إطار برامج التسوية السياسية وفي مقدمها مؤتمر الحوار الوطني الشامل ، الذي حرصوا على الانخراط فيه لإيمانهم المطلق بأن الحوار هو مفتاح الحلول للأزمات في اليمن برغم تحفظهم على أصل المبادرة والتسوية بما فيهما من تقاسم ومحاصصة وإقصاء وبما يفتحان من قنوات جديدة للفساد المنظم الذي سيثقل كاهل البلاد التي لا ينقصها أزمات والعباد الذين لا ينقصهم جرعات .
لقد كان الحرص على المشاركة في الحوار شعاراً لكل من يستشعر الخطر ويتوخى تلمس خطوات التغيير ، وانخرط الحوثيون (أنصار الله) فيه بفعالية وكذلك اشتراك الحراك الجنوبي بممثلين عن بعض مكوناته وتحفظ البعض الآخر نتيجة لعدم تهيئة الأجواء لحوار جاد ونوعي يفضي لنتائج يلتزم بها الجميع وقد عبر هذا الأمر عن نفسه في الشهور الأولى من الحوار في موفنبيك ، إلا أن الأمل بقي قائماً لدى قطاع واسع من اليمنيين بأن تمثل مخرجات الحوار الوطني عنواناً للخلاص من الأزمات اليمنية على تنوعها وتعزيز حضور الدولة القوية والدستور والقانون والبدء في عملية تنمية شاملة لا يمكن لها أن تبدأ قبل تسوية الساحة السياسية بمصالحة وطنية تضمن الأمن والاستقرار وتحول دون اندلاع أي حروب أو مواجهات مسلحة وتحد من تنامي الإرهاب في مقابل فرض سيطرة الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية على كافة ربوع البلاد ، فالأمن أولاً وهو العتبة التي يمكن الولوج من خلالها إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي كشروط أولية لقيام نهضة منشودة .
وعوضاً عن كل ذلك ظلت مخرجات الحوار حبيسة الأدراج بمافي ذلك (النقاط الـ 31 المتعلقة بقضيتي الجنوب وصعدة) واستمرت الحروب المتنقلة والمواجهات المسلحة والاغتيالات السياسية وتلك التي تستهدف رجال الأمن والجيش أثناء وبعد مؤتمر الحوار ، واستمر معها الفساد بأنواعه وافتقد المواطنون لأدنى الخدمات من المياه والكهرباء ، وكان وسيظل الفساد السياسي جوهر ما اتكأت عليه مختلف الإخفاقات في ديمومتها بل وتناميها بصورة مطردة ، أوصلت الأمور إلى مواجهة استحقاقات أساسية تضطلع بها الدولة ومنها العجز عن دفع مرتبات الموظفين الأمر الذي اضطر رئيس الجمهورية لدق ناقوس الخطر وإعلان انهيار اقتصادي وشيك إن لم يتم العمل على تصحيح أسعار مشتقات النفط وما عرف إعلامياً بـ (الجرعة السعرية) بموازاة حزمة إصلاحات اقتصادية وإدارية ومالية ، وبالتزامن مع ذلك أعلنت عدد من القوى السياسية عن الخطر ذاته معبرة عن أسبابه وحيثياته وآثاره وسبل التخفيف منها بصور متباينة ما يعكس غياب رؤية واضحة إزاء مثل هذه الأزمة الخطيرة التي تمس حياة المواطنين وتلامس بالقدر ذاته واقع ومستقبل القوى السياسية التي أدارت اليمن في هذه المرحلة وتضعها أمام استحقاق الإجابة عن عدة أسئلة جوهرية لماذا وصل الحال إلى هذا المستوى من التردي ومن يقف وراء ذلك وهل تتحمله حكومة الوفاق أم يتحمله المتوافقون عليها ؟!.
وفي معرض الإجابة عن هذا السؤال فإننا نرى أن حكومة الوفاق لم تكن سوى أداة لتمرير الجرعة كحل لجأ له المتوافقون على التسوية السياسية بمختلف مايمثلونه من أحزاب وتنظيمات سياسية بعضها لجأ إلى تعطيل دور النقابات العمالية والمهنية وبقية مؤسسات المجتمع المدني ذات الشأن ليغيب دورها في التعبير عن رفض الجرعة مؤخراً وهو أمر يندرج في إطار الفساد السياسي الذي سبقت الإشارة إليه .
وبناءا على ماسبق ذكره ، وبالنظر لتطورات الاوضاع الراهنة في اليمن لاسيما في صنعاء وماحولها من اعتصامات واحتجاجات يقودها الحوثيون (أنصار الله) وتحمل ثلاثة مطالب أساسية تتمثل : بإسقاط الحكومة وإلغاء الجرعة وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني وهي مطالب بقدر ما تحاكي هموم الشارع اليمني إلا أنها تختزل وتبسط المشكلة ولاتصل إلى عمقها الحقيقي المتمثل بالفساد السياسي بدرجة أساسية ، وبمتابعة المستجدات التي رافقت التعاطي مع هذه الاحتجاجات من قبل الدولة واللجنة الرئاسية التي أوفدت إلى صعدة ، ولخطورة المشهد بما يحمل من مخاطر كارثية محتملة وبما فيه من حرب إعلامية تستحضر الحرب والمواجهات المسلحة وبانطوائه على حالة العجز السياسي الذي يرافق بعض القوى ذات النفوذ نتيجة تغليب الخاص على العام والحس الشخصي والحزبي والفئوي على الشعور الوطني الجامع فإننا ندعو كافة القوى إلى استشعار الخطر الذي لن يفلت منه أي طرف فيما لوحدث مالا تحمد عقباه ، والتعاطي الايجابي مع المبادرات السياسية والنداءات العاجلة التي أطلقت مؤخراً لدرء الخطر عن البلاد والعباد بمافي ذلك ماتقدم به الحوثيون (أنصار الله) والقوى السياسية الاخرى للوصول إلى حلول مرضية للوطن والشعب لا لهذا الطرف أو ذاك والتحلي بنوع من الشفافية لوضع المواطنين أمام حقيقة واقعهم وملامح مستقبلهم .
وفي هذا السياق نقدم هذه الأفكار على طاولة افتراضية معنية بعملية الإنقاذ التي أشرنا إليها:
- نعلن مباركتنا سلفاً لدعوة نأمل أن يتبناها رئيس الجمهورية لرعاية مؤتمر انقاذ وطني في الداخل يحمل على عاتقه مشروع المصالحة الوطنية والاصطفاف الشعبي ومحاربة الفساد بأنواعه والوصول إلى وثيقة إجماع لأهم القضايا العالقة وخاصة القضية الجنوبية وحلها حلاً عادلاً يرتضيه أبناء الجنوب والقضية الأمنية والأزمة التي تعيشها العاصمة وأسبابها والحلول العملية للأزمة الاقتصادية الراهنة ، وبما يمكن رئيس الجمهورية من الحصول على تفويض وطني إجماعي لتشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة من الكفاءات وبعيداً عن أسلوب التقاسم والمحاصصة الذي أثبت فشله بل وإفشاله للعملية السياسية برمتها .
- وقف الحملات الإعلامية بين الأطراف المتنازعة بقرار رئاسي يشمل كافة وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية وعلى قيادات الأحزاب والجماعات الالتزام الكامل به .
- دعوة جميع الاطراف الساسية بما فيها الحوثيين (أنصار الله) للمشاركة في المؤتمر الوطني الإنقاذي المشار إليه لمناقشة رؤيتهم ورؤى الأطراف الأخرى والخروج بحلول ترضي الوطن والشعب ورفع الاعتصامات في العاصمة ووقف عملية التصعيد من كافة الاطراف واصدار إعلان رئاسي باستمرار المفاوضات والتفاهمات مع الجميع حتى يتم التوصل لحلول مزمنة.
- تشكيل لجنة اقتصادية من الخبراء والمتخصصين الاقتصاديين يتفق عليها للوقوف على الوضع الاقتصادي والاطلاع على موارد الدولة ونفقاتها وتشخيص الاختلالات الناتجة عن الفساد ووضع المعالجات والمقترحات اللازمة بشكل مرحلي واستراتيجي .
- إقرار برنامج يكفل تخفيف المعاناة عن الشعب والبحث عن بدائل الجرعة السعرية تنعكس بشكل ايجابي على المواطنين وحياتهم يشمل رفعاً للأجور ووقفاَ للغلاء على أن يكون برنامجاً مزمناً وبشفافية تفضي إلى تحسن ملحوظ في المستوى المعيشي للمواطنين بكافة فئاتهم وخاصة الفقراء والمعدمين والعمل على توفير فرص عمل للشباب كهدف مركزي لحل مشكلة البطالة .
- ايجاد شراكة سياسية حقيقية في كل هيئات الدولة وخاصة الحكومة ومجلس الشورى والهيئات السياسية المعنية بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني ووضع الترتيبات المناسبة لاستكمال بناء الدولة وإلزام الحكومة بمنع المحاصصة والتقاسم والاستئثار بالوظيفة العامة .
وأخيراً نؤكد على ضرورة الاحتكام إلى لغة الحوار لمعالجة الأزمة وبما يعزز السلام والتعايش الاجتماعي بين ابناء الوطن.
الرئيس / علي ناصر محمد
27 اغسطس 2014م