لقاء مع صحيفة 14 اكتوبر 2013

مقابلة صحفية مع الرئيس علي ناصر محمد لصحيفة 14 اكتوبر

اجرى اللقاء الاستاذ احمد الحبيشي رئيس التحرير

الاثنين   13-5-2013

 

•     قــُلتـُمْ – سيادة الرئيس – في آخر مقابلةٍ لكم إن المرجعية الأصلية للقرار هو للشعب في الجنوب ، ماذا نقرأ من خلف السطور: هل هي دعوة لإقامة استفتاء عام حول مستقبل الجنوب.. أم أنَّ هناك تفسيرًا آخر له؟

أحسب أنه بات غني عن القول: أن الشعوب تقرر مصيرها ، و كان هذا  الحق أمراً واقعيا وعملياً منذ انشاء منظمة الامم المتحدة وما بعدها وما خروج الناس في ثورات تتوق إلى التخلص من الديكتاتورية والفساد والاحتلال وكل المظاهر المدمرة للمجتمعات الا دليل على نيل ذلك الحق، وللقضية الجنوبية خصوصيات عديدة لا تحتاج لسردها هنا على أن أهم مخرجات تلك الخصوصيات هو أن الشعب في الجنوب بات صاحب قراره ولا يمكن لأحد أن يدعي أن لديه شفرة تسييره.

 

•     تكلمتم عن "وجود خلافات عميقة" تخطتها العين بين مكوِّنات الحراك الجنوبي في الداخل والقيادات الجنوبية في الخارج، وأنَّ منْ دخلَ الحوار الوطني مضى إليه وفق رؤيته.. ألا يُعبـِّر هذا عن تشظي الأداة السياسية المُعبِّر عن إرادة الشعب في الجنوب، وأنـَّه سيكون عاملاً معترفـًا لحل القضية الجنوبية؟

هناك اختلافات قد لا ترقى معظمها إلى مستوى الخلافات ، وهي لا تخطئها العين ليس وفق تقديري فقط،  فقد لاحظ هذا كل من حاول أن يبذل جهداً في إطار القضية الجنوبية ليس محلياً بل إقليميا ودولياً ، ومع الأسف أن هناك من يعمل على تعميق هذه الاختلافات وتحويلها لنعرات مناطقية عفى عليها الزمن ، ورأينا كان ولايزال واضحاً ومحدداً وهو الدعوة لحوار جنوبي – جنوبي وبذل المساعي لإنجاحه بحيث يتمخض عنه نوعاً من الاصطفاف السياسي الذي يمكننا من تجاوز حالة التشظي التي أشرت إليها ونتوصل إلى رؤية سياسية وقيادة مشتركة او مؤتلفة ، تؤمن أن المرجعية الأصيلة والعميقة هي للشعب في الجنوب..

 

•     إذن – سيادة الرئيس – ما هي الاشتراطات التي تحول دون مشاركة القيادات الجنوبية في الخارج في الحوار الوطني.. وكيف تنظرون لما مضى من  عُمر هذا الحوار؟

من جانبنا لا تحضر مسألة الاشتراطات الحائلة دون مشاركة في الحوار بقدر ما حضرت رؤى تم طرحها بغرض إنجاح الحوار ، وذلك في كل لقاءاتنا المتعلقة بشأن الحوار الوطني ، ولعل المساعي المبذولة باتجاه إنجاز الحوار الجنوبي - الجنوبي تصب في خانة ردم هوة يسميها البعض رفضاً وآخرون يعدونها اشتراطات على أنها في المجمل ليست أكثر من نتائج لمقدمات يرتكز عليها كل فريق على حدة ، والأهم من هذا كله أن يغلب الجميع مصلحة شعبنا في الجنوب فهو من يدفع ثمن مثل هذه المعايير المختلة منذ زمن بعيد.

 

•    يـُشاعُ عن محاولاتٍ لرأب الصدع بين القيادات الجنوبية في الخارج، مرةً في بيروت أو أسطنبول أو جدة أو القاهرة والقائمة تطول.. لكننا نسمع جعجعة ولا نرى طحيـنـًا في توحيد الرؤية المستقبلية لمصير القضية الجنوبية؟

أعتقد ان جواب هذا السؤال قد ورد في أول هذه المقابلة الصحفية وفي ثناياها لأننا أوضحنا أن الشعب يقرر مصيره ، وقد قالها شعب الجنوب بقوة: (نحن أصحاب القرار) في مليونياته المعبرة والعابرة للحدود برسائلها المجيدة وهو قادر على تجاوز الجميع بإرادته الثابتة ، ولكني أستطيع أن أزيد هنا جواباً بأن رأب الصدع بين القيادات الجنوبية سيبقى مرهوناً بالإيمان بأنه كفى مغامرات ومقامرات وأن علينا أن نقول بصوت عال وبكل شفافية بأن أحدنا ليس وصياً على الجنوب .

 •     ما هي وجهة نظركم حول ما تقـدَّم به المناضل علي سالم البيض من رؤيةٍ أو مشروعٍ سياسيٍ للحراك السلمي، وما نقاط الخلاف فيه إنْ وجدت.. مع العلم أنـَّه كان لكم لقاءً تاريخيـًا معه في بيروت؟

لسنا بصدد تقييم الرؤى التي تقدم بها غيرنا بمافي ذلك رؤية الأخ علي سالم البيض ، خاصة أن موقفه يعرفه الجميع وهو موقف معلن نحترمه ونتمنى على الجميع تحمل مسؤولية المواقف التي يطرحونها و أن توضع على طاولة الحوار شأنها شأن الرؤى المتباينة التي يمكن أن تتبلور أكثر وتتلاقح مع رؤى الآخرين من خلال لقاء جنوبي - جنوبي وفي الأخير يبقى الحكم للشعب ، وأما عن لقائنا مع الاخ علي سالم البيض فهو امتداد للقاءات سابقة حرصنا عليها بغية تشكيل تكتل جنوبي أوسع يعمل على كل المستويات لأجل رفع المعاناة عن شعبنا بدلاً من أن نثقل كاهله باختلافات يجب أن لا تفسد للود قضية ، ولا للوطن قضية .

 •     تتداول تسريبات إعلامية لا نعلم مصدرها حول نيتكم الترشح لمنصب الرئاسة في 21 فبراير القادم.. ما صحة هذه المعلومات؟

أشرت في أكثر من مقابلة سابقة وفي أكثر من مناسبة إلى عدم نيتي الترشح للانتخابات وهي مسالة رفضتها أكثر من مرة سواءا عندما طرحت من قبل الرئيس السابق علي عبد الله صالح أم من قبل المعارضة اليمنية ممثلة بتكتل اللقاء المشترك ، وكان للرفض أسبابه الموضوعية ولا أرى أن شيئاً كبيراً قد حدث بما يدعوني لتغيير قناعتي بقدر ما أرى ما يثبت قناعتي بعدم الترشح للسلطة التي جربناها ونريد للشباب أن يجترحوا تجربتها باقتدار وان تعطى لهم الفرصة لتبوء مواقع المسؤولية ، مثلما اجترحوا هذا التغيير النسبي الذي حصل والذي ينبغي أن لا يتوقف أو يتراجع فتخيب آمال الناس فهم من اوصل القيادة الحالية وحكومة الوفاق الى السلطة.

 •     سيادة الرئيس، كانت رؤيتكم قبل تحقيق الوحدة أنْ يتمَ التوحيد من خلال تدعيم الشراكة الوطنية بين الشطرين من خلال التكامل الاقتصادي والعمل الوحدوي المشترك  .. أما اليوم فكيف يمكنُ النظر إلى حلٍ للقضية الجنوبية بعد هذا المخاض العسير لـ (23) عامـًا من وحدة اندماجية أثبتت الأيام فشلها، كانت وبالاً على الجميع.. ما هو المخرج التاريخي لحل القضية الجنوبية وعَلاقتها بالقضية الأم شمالاً وجنوبـًا؟

دوما النتائج الكارثية تكون بسبب أن المقدمات خاطئة والقرارات ارتجالية ، ولهذا نحن قبل الوحدة كنا نشدد على أن تكون خطواتنا باتجاه الوحدة صحيحة ومدروسة ومتدرجة وذكرت في خطابات سابقة عندما كنت في السلطة بعدن بأننا لن نسمح بأن تكون الوحدة على حساب المنجزات التي تحققت لصالح الشعب في الجنوب، وكنا بهذا نقصد أن يحدث التكامل الاقتصادي الذي أشرت إليه في سؤالك وحتى التكامل على مستويات عدة بالاستفادة بما هو أفضل في الشطرين والتخلي عن السلبيات، فكان تأسيس المجلس اليمني الأعلى خطوة في هذا السبيل وكنا نسعى إلى تعزيز دور هذا المجلس إلى أن يكتمل نصاب الوحدة بشروطها الموضوعية ويتحقق الحلم، ولا يتحول إلى كابوس من خلال الدخول في نفق مظلم لم نخرج منه حتى اليوم .

فقد وقع الطرفان في الشمال والجنوب على اتفاقية الوحدة من صفحة واحدة بعد جلسة قات في حقات ولم يجري الاستفتاء على الوحدة ولا على دستورها وكان ذلك بمثابة انقلاب على اتفاقيات الوحدة منذ 1972م وحتى العام 1990م بينما وقعت الالمانيتين على اسس واتفاقيات للدولة الموحدة من 1200 صفحة.

وأما اليوم وكيفية الخروج من هذا المخاض العسير بعد مضي أكثر من عقدين من الزمن فقد باتت المسألة في أجلى تعقيداتها، ويبقى الحوار هو السبيل الوحيد لإحداث شرخ في هذا الجدار المتصلب ولأنه السبيل الوحيد فهو أحوج مايكون لقوة دفع يسهم فيها الجميع دون استثناء، وأما الإقصاء فقد كان أحد أهم الأدوات الكارثية التي أوصلتنا إلى هذا الانسداد وغياب الأفق وقد اجمعت كل الرؤى المقدمة للحوار الوطني بأن هناك قهر وظلم لحق بابناء الجنوب نتج عنه تسريح وعزل وتقاعد قسري وانهاء خدمة وبشكل مخالف للدستور والقانون ولكن هذه الرؤى لم تشر صراحة الى المعالجة السياسية بشأن الازمة في الجنوب ونأمل ان يتحقق ذلك مستقبلاً.

 

•     هل تعتقدون أنَّ المليونيات التي خرجت في أكثر من مناسبة في عدن والمكلا هي أفضل تعبير للإرادة السياسية في الجنوب.. أما أنـَّها تمثل أدوات ضغطٍ للسياسيين، لا يمكنُ لكم التحلحل عنها في توجيه الأنظار نحو مبدأ تقرير المصير واستعادة الدولة الجنوبية وحده دون خيار آخر؟

الخروج إلى الشارع في مليونيات هو الخيار السلمي للتعبير عن إرادة الناس وليس عن إرادة السياسيين ويجب أن نحترم خيار شعبنا وهو لم يعد بحاجة للفت أنظار أحد لقضيته العادلة بقدر ما يحافظ على حيوية الحراك السلمي التحرري وتماسكه وسلميته ، ومهما كان الشعار المعلن ومهما كانت المطالب التي تطرح ، لايحق لأي طرف توجيهها لمصلحته الذاتية أو مصلحة خيار على حساب خيار آخر بل يجب أن ندفع جميعاً نحو حرية التعبير مادام سلمياً ، وحضارياً ، ومعبراً عن إرادة وتطلعات الجماهير إلى ان تتحقق المطالب المشروعة وتعود الحقوق إلى أصحابها .

 

 •     بصراحةٍ – سيادة الرئيس – هل ثمة تأثيرات لاصطفافات عام 1986م على مكوِّنات الحراك الجنوبي، خاصة وأنـَّكم أول من دعا إلى التصالح والتسامح في جمعية ردفان عام 2007م؟

(أول من دعا إلى التصالح والتسامح ) .. هذا شرف لا أدعيه فهذه المسيرة الظافرة كانت خلاصة جهود متظافرة تتجاوز مسألة الاصطفافات وتضعها في الإرشيف ، كتاريخ ، وعليه فإن من واجب الجميع الآن تجاوز ذلك الإرشيف ، وتجنب إحيائه بأي شكل من الأشكال ، ولا أظن أن لمثل هذه الاصطفافات منتهية الصلاحية أي دور في مكونات الحراك الجنوبي منذ انطلاقته .

 

•     يُقالُ – سيادة الرئيس – إنـَّكم والعطاس أصحاب رؤية الفيدرالية، بينما علي سالم البيض وباعوم أصحاب رؤية فك الارتباط.. ما صحة هذه التخريجات الإعلامية.. وعلى أي سقفٍ للمطالب يمكنُ أنْ يُحققَ معادلةً منصفةً للقضيةِ الجنوبيةِ في هذا الظرف المحلي والإقليمي والدولي؟

ستلاحظ أن كل الأطراف التي ذكرتها تعبر بنفسها عن رؤاها حيال القضية الجنوبية، وقد تعددت سقوف المطالب ومن غير الممكن القطع بأن هذا الخيار أو ذلك المطلب هو من يحقق معادلة منصفة للقضية الجنوبية وهذا أمر مرهون بالحوار ، ولابد للخيار المنصف – أياً كان - أن يحظى بتأييد شعبي كاف ليحصل على المشروعية اللازمة .

 

•     في بادرة ملحوظة لكم – سيادة الرئيس – طالبتم بمحاكمة أصحاب الفتاوى الدينية التي شرعنت للحرب عام 1994م، وما زال البعض يُطلقُ أصداءً منها اليوم على استحياءٍ.. ما تعليقكم على أقوال مثل: الوحدة فرض ديني سادس، والوحدة مُقدَّسة قـُدسية دينية... الخ .. هل هذه بداية لمواقف سياسية قادمة تريد فرض الوحدة بالقوة؟

سمعنا إعلامياً عن أصوات فردية تحدثت عن تقديس الوحدة دينياً بشكل أو بآخر ، وهي أصوات لا تساعد على إيجاد مناخ صحي في ظل الظروف الراهنة لجهة إثارة مشاعر المواطنين وتأجيجها ، ولا تنسجم مع حالة التوافق الذي حدث على مستوى لجنة الحوار ضمن النقاط العشرين المعبرة عن خطأ التكفير للجنوبيين ، وضرورة الاعتذار، كما أن هذه الفتاوى استهلكت في حرب 94م وتبين بعد طول العهد أنها لم تقم بتثبيت الوحدة بل أسهمت في تفكيكها واضعافها والتشظي بالنفوس وتمتين ثقافة الكراهية والفرقة والتمزق ، فكيف يمكن تجريب المجرب لتثبيت ماتم تفكيكه .

 

•     بحسب قولكم – سيادة الرئيس – إنَّ وحدة (الخمس دقائق في النفق) ليست هي الوحدة المطلوبة.. بل كانت وحدة متعجلة.

كيف يمكنُ اليوم النظر إلى مستقبلِ القضية الجنوبية.. وقد سالت دماء.. وتقرَّحت جروح.. و(أنَّ الانتصار العسكري لا يُعبِّر عن انتصار سياسي) – على حدِّ تعبيركم – كيف يمكن الخروج من هذا المأزق التاريخي؟

ليس من السهل الحديث عن وصفة سحرية للخروج من هذا المأزق التاريخي ولكن الممكن والمتاح اليوم هو التقاط فرصة الظروف المحلية والخارجية والاهتمام الدولي النوعي والذي له ما يفسره بشأن اليمن لاجتراح حل يقدم فيه الجميع تنازلات بحجم الوطن و بتغليب المصلحة العليا لإنقاذ مايمكن إنقاذه وإلا فإن المعبد سيهدم على رؤوس الجميع ، وعليه يجب أن ننظر إلى الحوار كبوابة عبور وعلى كل الأطراف المعنية تأمين هذه البوابة بكافة ظروف النجاح وتحمل المسؤولية الوطنية ، فالشعب دفع أثمان باهضة لمقامرات ومغامرات لم يكن مسؤولاً عنها وآن له أن يحظى بحياة كريمة وعيش كريم  ، وهذا يعني فيما يعنيه ان الشعب يريد حلولاً يلمس أثرها المباشر في حياته وهمومها المتنوعة ، لا حلولاً تلامس رغبات بعض المسؤولين والقيادات على تنوعهم .

 

•     هل ترون تطوُّرًا في الموقف الدولي حيال القضية الجنوبية ونظرة ممثله الدولي جمال بن عمر يساعد على حلحلة الوضع بشأنها، خاصة وأنـنا نسمع السفير الأمريكي يلقي وعودًا هنا.. ووعودًا هناك تزيد المشهد اضطرابـًا؟

لاشك أن هناك تطوراً في الموقف الدولي حيال القضية الجنوبية على نحو مجمل ولعل تقرير السفير جمال بن عمر عن القضية وعن صورة مايعانيه شعبنا في الجنوب والذي قدمه مؤخراً إلى الأمم المتحدة يكشف عن حجم هذا التطور الدولي لاسيما وأنه كان تقريراً متوازناً لجهة توصيف القضية والأوضاع في الجنوب، وهنا من المهم التأكيد على ضرورة تغليب أن تكون الأقوال مسؤولة لتتحول إلى أفعال أكثر مسؤولية .