مقابلة الرئيس علي ناصر محمد
مع صحيفة الأيام – عدن
2000/5/20 م
س1- كيف تنظرون إلى عملية الوحدة من المنظور التاريخي؟
ج- شكلت الوحدة اليمنية محوراً اساسياً لنضالات شعبنا اليمني طوال القرن الماضي، وعكست توق اليمانيين الدائم لامتلاك المستقبل عبر التوحد، سبيلاً لبناء حياة جديدة تليق بأمجادهم التاريخية وإسهامات أجدادهم في الحضارة الإنسانية.
وبالقدر الذي كانت فيه الوحدة حلم اليمنيين الجميل باعتبارها طريقهم للخلاص من آلامهم، ونقطة انطلاق لصنع مجدهم واستعادة حضارتهم ودورهم، بقدر ما استعمل هذا الشعار النبيل من قبل الحكام والقيادات في العديد من المراحل التاريخية استعمالات تكتيكية وآنية تخدم صراعاتها مع مختلف القوى وتهدف لتثبيت سلطاتها أو مدها لتشمل اطاراً جغرافياً أوسع ولكنها في المقابل كانت تنبئ عن حالتي الضعف والتمزق اللتين تعانيهما مختلف القوى المتصارعة.
كانت لكلمة الوحدة وقع السحر في قلوب الجماهير التي تعلقت بها وناضلت من اجلها وقدمت قوافل الشهداء في سبيل تحقيقها والذود عنها، منذ بدايات القرن العشرين وحتى في تحققها في ربيع 1990.. كانت الجماهير صادقة في مشاعرها ومواقفها هذه، على نقيض معظم الحكام والقيادات الذين كانوا يستعينون بهذا الشعار عندما تشتد الأزمات وتضيق بهم السبل فيضطرون لرفعها كقميص عثمان حماية للذات وتشبثاً بالسلطة.
س2 هل من شواهد من التاريخ على هذه النظرة التعميمية؟
نعم هناك الكثير … خذ مثلاً ما جرى أثناء الحرب العالمية الأولى، عندما كان سعيد باشا يقود آخر معارك الإمبراطورية العثمانية على أبواب عدن قبل هزيمة الأتراك النهائية فيها وعند إحساسه بهزيمة أمام القوات البريطانية، حاول الانتقام منهم بالهروب إلى الوحدة اليمنية حين طالب الإمام في صنعاء بدعمه لمواصلة مسيرته نحو عدن لطرد المحتلين وتوحيد اليمن، ولكن الإمام يحيى والقيادة التركية في صنعاء لم يردا عليه… فالأتراك لم يكن ليهمهم توحيد اليمن وإمبراطوريتهم تنهار؟ والإمام لم يكن ليقدّر الأهمية الاستراتيجية لمثل تلك الخطوة من الناحيتين السياسية والعسكرية، وربما لم يكن ليقدرها كذلك من الناحية التاريخية ايضاً .. لأن حدود مملكته في صنعاء لم تكن لتتجاوز صعده شمالاً ودمث جنوباً، وفي واقع الحال فأن الإمام الذي لم يعرف البحر قط ولم ير في حياته لا البحر الأحمر ولا بحر العرب، ولم يطل يوماً على خليج عدن، ما كان بمقدوره أن يفكر في الأهمية الاستراتيجية لهذه البقعة من العالم والتي كانت تصطرع حولها القوى العظمى، وكانت محط أطماع الغزاة البرتغاليين والهولنديين والفرنسيين والبريطانيين الذين كسبوا الجولة منذ وطأت قدما الكابتن "هينس" بر صيره في النصف الأول من القرن التاسع عشر.
وشاهد آخر من الفترة التي تلت ذلك، لم تكن أسرة حميد الدين لتقدر أهمية عدن وجنوب اليمن حق قدرها إلا بعد أن تجمع الأحرار اليمنيين من الشمال والجنوب في عدن ورفعوا شعار إسقاط حكم هذه الأسرة لتحرير الإنسان اليمني، حينها فقط قام ولي عهد الإمام الأمير احمد حميد الدين بزيارة لعدن وذلك في أربعينيات القرن الماضي في محاولة لاحتواء القوى المعارضة أو فرض حصار على نشاطها بالتعاون مع السلطات البريطانية.. وكانت تلك الزيارة اليتيمة التي يقوم بها أحد حكام صنعاء لعدن طوال القرن الماضي ولم تتكرر ثانية إلا من قبل الرئيس علي عبد الله صالح حين زارها في عام 1981م وربما في ظروف مشابهة ولهدف مماثل لسابقة وهو محاولة وقف العمليات العسكرية في المناطق الوسطى
وكانت الزيارة الثالثة للرئيس علي عبد الله صالح في 1989م التي تم فيها التوقيع على بيان 30 نوفمبر التاريخي الوحدوي الذي مهد لاعلان قيام الوحدة في 22مايو 1990م وهذه الزيارة الأولى لرئيس دولة في صنعاء قبل انفصال اليمن.
وهكذا كانت أسرة حميد الدين ونتيجة لأزمتها وكرد فعل على تغاضي البريطانيين عن نشاط الأحرار في عدن بدأت منذ منتصف الخمسينات بدعم قوى المعارضة القبلية في الجنوب لإزعاج السلطات الاستعمارية وسلاطين الجنوب فيما كان يسمى بانتفاضات الربيزي، الدماني، بن عواس، بن عبدات، بن فريد، المجعلي، بن شاهر، بن عيدروس ، السقاف، والجعري وغيرهم، كما بدأت ببث برنامج إذاعي باسم الجنوب اليمني المحتل تشجع على الثورة.
بمعنى من المعاني كانت القضية اليمنية والأحلام الوحدوية تستثمر من قبل الحكام كمخرج لأزماتهم ومتنفس للتفريج عن الاحتقانات الشعبية في محاولة لحشد الطاقات لتحقيق تكتيكات آنية ضيقة.
س3- ربما فهمنا ان الهروب إلى الوحدة كان مسلكاً عاماً للحكام قبل إنجاز الثورتين اليمنيتين سبتمبر وأكتوبر، ولكن لماذا لم تقم الوحدة بشكل جرى بعد إنجاز الثورتين لمهامهما في التحرر من الامامه والاستعمار؟
ج3 - للإجابة على هذا السؤال لابد من استقراء البدايات.. بعد انتصار الثورة في صنعاء، قرر قادة حركة القوميين العرب، الكفاح المسلح ضد الاحتلال البريطاني تحت اسم "الجبهة القومية" واختاروا تعز مقراً لقيادة الثورة واحتضنتهم الحركة الوطنية في الشمال وكان ذلك موقفاً وحدوياً يجسد الآمال في اليمن الواحد الكبير…وبدأ حزب البعث ممثلاُ بحزب الشعب الاشتراكي يحذو حذو الجبهة القومية وانتقلت بعض قياداته ممثله في الأستاذين عبد الله الاصنج ومحمد سالم باسندوه وآخرين إلى شمال الوطن لقيادة العمل السياسي، وكان قد سبقهم الأستاذ قحطان الشعبي بعشر سنوات إلى هناك..
وبهذا تكون تعز حاضنة للعمل الوطني الموجه ضد الاحتلال وتوج هذا الكفاح باستقلال الجنوب وانتصار الجبهة القومية وقيام "جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية " بعد صراع مرير بين الجبهتين القومية والتحرير مما أدى إلى انتقال الأولى إلى سدة الحكم المنفردة وخروج قادة الثانية إلى صنعاء، مما يعني هروباً جديداً نحو الوحدة وشعاراتها.. وهذا فاقم الصراع بين السلطتين والنظامين.. كانت صنعاء حينها عامي (67- 68) محاصرة وحاول البعض طرح فكرة الوحدة .. وأطلق الأستاذ يحيى جغمان تصريحاته النارية على نظام عدن واتهمه بالانفصالية.. كانت المقاومة في تعز وصنعاء قد خلقت حالة جديدة وولدت مخاوف وقلقاً لدى حكام صنعاء الذين رأوا في الوحدة مهرباً وملاذاً، ورد عليهم الرئيس قحطان الشعبي من جانبه بالنقاط العشر التي طالبت بالوحدة "اليوم وليس غداً" أي هروباً آخر نحو الوحدة… مما يعني الهروب من أزمات الحكم في اتجاه الوحدة. وتفاقمت الأمور لتعلن صنعاء في عام 72 م ان الوحدة يجب أن تتحقق سلماً أو حرباً حيث اتخذ المجلس الوطني- البرلمان – هذا القرار الخطير … واندلعت الحرب الأولى بين الشطرين.. وكان المخرج للقيادتين هو الهروب إلى الوحدة وتوقيع اتفاقية القاهرة من قبل محسن العيني وعلي ناصر محمد... وتنفس النظامين الصعداء بعد وقف القتال وبدأوا الاستعدادات لصراعات وحروب أخرى.. وهروب آخر.
وجاء الرئيس إبراهيم الحمدي وشرع ببناء الدولة الجديدة في صنعاء .. ومد سلطاتها إلى عموم محافظات شمال الوطن وفرض هيبة السلطة على الجميع مما عنى تقليص نفوذ مشائخ القبائل الذين استشعروا الخطر وبد أو في هجوم معاكس ساندهم فيه الآخرون الذين أحسوا بتمرد الرئيس الحمدي، الذي تزايدت عليه الضغوط والمؤامرات فبدأ حواراً وحدوياً مع الرئيس سالم ربيع علي، في محاولة للخروج من الأزمة... وعشية سفر الرئيس الحمدي إلى عدن في زيارة تاريخية مبكرة تكالبت عليه القوى .. وفقدت اليمن فرصة تاريخية لتحقيق حلمها بمصرع هذا الرئيس وكانت عدن ايضاً حبلى بالصراعات الداخلية مع مجيء الرئيس الغشمي في صنعاء وتخليه عن مسيرة وأهداف سلفه. كانت عدن تصطرع حول ميلاد الحزب الاشتراكي.. مما هدد الوحدة الوطنية في الجنوب.. وضاقت المنافذ بالرئيس ربيع الذي كان ايضاً حالماً بالوحدة عبر إسقاط صنعاء من الداخل حيث أنشأ "منظمة المقاومين الثوريين" لهذا الغرض ولكنه الآن ومع تفاقم الأزمة يختار طريقاً للخلاص من أزمة الحكم في عدن.. بالهروب إلى الوحدة عن طريق مغامرة لم تكن مأمونة العواقب حيث أرسل مندوباً متفجراً إلى الرئيس الغشمي ليلقي الاثنان مصرعهما .. وفشلت محاولة الهروب مجدداً عبر الوحدة.
وقبل هذا العمل عقد اجتماع مشترك لقيادة الجبهة القومية الموحدة، وبعض فصائل العمل الوطني في الشمال بقلعة "معاشيق" التي تظل على كريتر وخليج عدن، بعيداً عن الواقع اليمني وتعقيداته .. وردد البعض لابد من صنعاء وان طال السفر.. وطالب البعض الآخر بالزحف على صنعاء عسكرياً وجماهيرياً .. ورأى آخرون أن صنعاء لن تسقط إلا من داخل أسوارها… ولم ينجح المشروع، غير ان طبول الحرب استمرت مع مجيء الرئيس عبد الفتاح إسماعيل الذي كان يحلم ايضاً بهذه الوحدة عن طريق إسقاط صنعاء .. وكانت حرب 79م التي أسقطت معها الرئيس عبد الفتاح.
هكذا مرت السبعينات بحربين قاسيتين بين الشطرين عامي 72 و79 م وبحروب المناطق الوسطى المنهكة وبصراعات في اكثر من مكان، وضحايا عديدين من العسكريين والمدنيين ومصرع ثلاثة من الرؤساء ( الحمدي، الغشمي، ربيع) واستقالة رئيسين (الارياني، عبد الفتاح).
وجاءت الثمانينات، واليمن مرهق والشعب قد نفذ صبره، وبدأ يطالب بإسكات أصوات المدافع والبنادق.. والبحث عن سبل أخرى لتحقيق الوحدة.. فكان الخيار السلمي طريقاً للوحدة.. حيث تم تهدئة الأوضاع في المناطق الوسطى وعلى حدود الشطرين.. وتم إنجاز الدستور اليمني، وقيام المجلس اليمني الأعلى وإنشاء شركات للسياحة والنقل البري والطرقات.. وتم تبادل الزيارات على أعلى مستوى غير ان هذه السياسة وهذا النفس الجديد كان يلقى مقاومة ورفضاً من عدد من القيادات اليمنية ومراكز النفوذ وكان ذلك اكثر حدة في عدن منه في صنعاء .. وارتفعت مرة أخرى اصوات في عدن تطالب بالوحدة عبر إسقاط صنعاء.
لم تراعي هذه القوى والأطراف أن الحزب الاشتراكي لن يستطيع حكم اليمن بمفرده وان العديد من التعقيدات السياسية والاجتماعية والقبلية والطائفية تحول دون ذلك.. وان حكم اليمن يجب ان يكون بمشاركة الجميع ورضى الأغلبية .. وزاد الطين بله ان قوى عديدة دولية وإقليمية كانت تخشى هذا الطريق السلمي الهادي والمتدرج نحو الوحدة.. وكان السوفيت حريصين على إبقاء عدن في مسارها تدور في فلك المعسكر الاشتراكي في الوقت الذي كان الأمريكان حريصين على بقاء مصالحهم في صنعاء عبر إبقاءها تدور في فلكهم وتفاقمت الأوضاع وأدت إلى الانفجار الكبير في يناير 86م.
س4 هل يمكنكم إعطاء إيضاحات اكثر عن هذه الفترة ودوركم فيها قبل وبعد أحداث 86م
ج4 عندما تسلمت قيادة الأمور في عدن بعد مغادرة الأخ عبد الفتاح إسماعيل إلى موسكو عام 1980 م، قمت بمراجعة شاملة لأسلوب المواجهة المستمرة مع صنعاء، كانت رؤيتي مختلفة في شؤون كثيرة حيث كنت أتبنى عربياً موقفاً واضحاً يرى ضرورة تطبيع أوضاع اليمن الجنوبية مع جيرانها، ويمنياً كنت أرى ان عدن لا تستطيع إسقاط صنعاء ولا صنعاء تستطيع إسقاط عدن.. وان الحرب لن تحل مشكلة الوحدة اليمنية لا بمنظار الاشتراكي الذي يحاول تثوير اليمن كلها وصبغها بالتوجه الاشتراكي ولا بمنظار صنعاء التي تحاول وأد نظام عدن المتمرد … واستنتجت أن اليمنيين يدفعون ثمناً غالياً لأحلام السياسيين ولذا رفعت شعار "الطريق السلمي إلى الوحدة" وبدأت بالتنسيق مع الرئيس علي عبد الله صالح، وعملنا على إنهاء بؤر التوتر خصوصاً في المنطقة الوسطى ضمن تسوية متوازنة مشرفة تحفظ لكل الأطراف حقها في العمل السلمي ... وقفزنا بالتنسيق إلى مجموعة واسعة من المشاريع المشتركة التي أنشأت لها العديد من المؤسسات .. ووصلنا بالتنسيق كما ذكرت سابقاً إلى أعلى مستوياته بتشكيل المجلس اليمني الأعلى الذي كان ينعقد دورياً برئاسة الرئيسين ويضع الحلول لكل ما يعترض الشطرين من صعوبات ومشاكل، وفوق ذلك أنجزنا الدستور اليمني واتفقنا على كافة بنوده .
هذا التوجه قاد إلى انشقاق في صفوف الحزب الاشتراكي مما أدى إلى تصعيد المواقف في عدن والى الانفجار الكبير في يناير 1986 ورحيلي مع الآلاف من القيادات السياسية والعسكرية إلى صنعاء..
كان الرئيس علي عبد الله صالح يسعى إلى احتواء ما يسميه "النظام الماركسي" في عدن بعد حروب 72 و 79 وحروب المناطق الوسطى… وكان السوفيت قد بدؤوا يبحثون عن حل لمشاكل نظامهم الذي بدأ في التصدع والانهيار غير عابئين بمصير الرفاق الذي اصبحوا يشكلون عبأ إضافيا عليهم.. والأمريكان كانوا يشعرون انه لا خطر من عدن بعد تصدع النظام الاشتراكي، بل ان من الأفضل ان يحتوي هذا النظام من قبل نظام صنعاء، حيث كانت عينا الرئيس بوش على حقول النفط في شبوة منذ العام 85م، وتعني الوحدة اليمنية بالنسبة للشركات الأمريكية وحدة حقول النفط.. ولهذا بارك بوش الوحدة اليمنية قبل قيامها أثناء زيارة الرئيس اليمني لواشنطن والذي عرج بعدها على المملكة السعودية وحصل على مباركة عاهلها على مشروع الوحدة.
والاهم من ذلك ان الشعب اليمني كان متشبثاً بالوحدة كخشبة الخلاص.
كانت عدن وصنعاء كلتاهما قد دخلتا مرحلة خطيرة من أزماتها .. وكان النظامان يعانيان من الانقسامات في جسم الوحدة الوطنية.. الآلاف من الجنوب في معسكرات الشمال والآلاف من الشمال في معسكرات الجنوب .. وكان افضل تعبير عن هذا الواقع تلخيص شاعر اليمن الكبير البردوني حيث قال:
جنوبيون في صنعاء شماليون في عدن.
يمانيون في المنفى ومنفيون في اليمن .
وقد حاول النظامان الهروب في اتجاهات مختلفة.. عدن حاولت وحدة الدول الساحلية، اليمن والصومال وجبوتي وعمان وهو المشروع الذي تقدم به العقيد القذافي في فبرابر89م، وصنعاء حاولت وحدة مجلس التعاون العربي في فبراير 89م.. وكلها مخارج غير يمنية لأزمات يمنية.
وبجهد كبير من كل الأطراف تهيأت الظروف المناسبة لاستعادة الوحدة وكان جهد الرئيس علي عبد الله صالح اساسياً في هذا المضمار، حيث أدار المتناقضات بحنكة ساعدت على إتمام هذا المنجز بالتعاون مع نائب الرئيس علي سالم البيض.
س5- ما هو استقراؤكم لعشر سنوات من الوحدة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً؟
ج5- انني انطلق في كل تقييم للوحدة اليمنية من داخل الوحدة وليس من خارجها، واعتبرها ثابتاً اساسياً يجب ان يحكم رؤيتنا كلها وحركتنا .. لا بديل عن الوحدة إلا التمزق والتشرذم والندم .. وكل تقييم يجب ان ينبع من الوحدة وضرورة الحفاظ عليها.. هذا بيتنا بكل عيوبه.. ولا أحد يهدم بيته على رأسه .. علينا إصلاح هذا البيت..
كما اني أرى ان فرص التوحد الوطني والقومي في التاريخ كانت دائماً باعثاً على النهوض والازدهار .. هكذا كانت الوحدة الألمانية والإيطالية والأمريكية وكذلك وحدة الإمارات العربية المتحدة، وهذا يتطلب كما قلت رؤية استراتيجية متكاملة وبرنامجاً للنهوض الشامل نشرك فيه الشعب بمختلف قواه.
ما نراه حالياً لا يتفق مع هذه الرؤية.. فنحن نحتاج لدولة قوية مهابة تحول دون الاختلافات الحادة في الأمن، وتمنع الاختطافات التي تتم في وضح النهار، وتوقف النهب المنظم للممتلكات، والسطو على الأراضي، وتأجيج الثارات والصراعات القبلية، وفقدان هيبة الدولة… والفساد المستشري كالأخطبوط والذي ينخر جسد الدولة والمجتمع... يحد من تنامي تأثير دور القبيلة على حساب دور الدولة ويمنع التسيب في تسيير أمور الدولة والتي أدت بكل مواطن إلى حمل ملفه بحثاً عن مخرج في دهاليز الإدارات في صنعاء... دولة تعيد الأمل وتقضي على مشاعر الإحباط التي تتفشى بين المواطنين في مختلف المحافظات.
أعتقد أن هذا كله ناتج عن غياب الرؤية المتكاملة للإصلاح والنهوض والتنمية.. اليمن بلد غني بخيراته ورجاله ولكن لابد من توظيف كل ذلك التوظيف اللازم حتى لا يصيب الإحباط الجميع.
أن عشر سنوات من الوحدة فترة كافية لإجراء تقييم موضوعي لمسارها.. وأدعو جميع المثقفين والمفكرين والسياسيين لمناقشة صريحة وموضوعية لمسار العشرات سنوات وتقييم التجربة وتحديد السلب والإيجاب فيها حتى لا نندم ساعة لا ينفع الندم..
س6- في هذا السياق قرأنا مؤخراً في جريدة الحياة اللندنية تحليلاً لوثيقة صادرة عن بعض قيادات الاشتراكي التي تدعو إلى مشروع الجنوب العربي كما نشرت رأياً آخراً معارضاً لهذه الفكرة فما رأيكم؟
ج6- ان طرح أي مشاريع من هذا النوع ليس لها أي مستقبل، وقد سقطت مثل هذه المشاريع في أواخر الخمسينات وبداية الستينات وعلى اللذين يعتقدون ان هذه الترتيبات ستعيد لهم أدوارهم أو مواقعهم التي فقدت عليهم بأن يتأكدوا بأن هذه المشاريع ليست مشاريعهم وإنما هي مشاريع مع قوى أخرى ستأتي بديلة عنهم. وعليهم أن يدركوا ان مثل هذه الدعوة لن تعيد اليمن إلى شطرين كما كان سابقاً وإنما ستمزق اليمن لأكثر من كيان تحكمها مختلف الصراعات القبلية والمناطقية والطائفية وهذا لن يساعد اليمن وسينعكس سلباً على اليمن ودول الجوار، ويمثل مشروعاً للصراعات المستقبلية ومع إدراكي لحالة الإحباط التي أصيب بها البعض من جراء بعض الممارسات الخاطئة من قبل بعض المسؤولين وأجهزة الدولة والمعالجات الخاطئة، فان الطريق لتصحيح كل ذلك هو بوقفه جادة وشجاعة لتصحيح الاختلالات ووضع برنامج يشارك فيه الجميع للحفاظ على البيت اليمني، من خلال حوار يشمل كافة القوى السياسية والاجتماعية للتوصل إلى قواسم مشتركة وتصورات مشتركة تعزز بنية الوحدة الوطنية وتحمي الوحدة اليمنية.
س7- جاء على لسان سفير اليمن في لندن بانكم تسببتم في احداث يناير الدموية عام 1986 فيما تعليقكم؟
ج7- لم أصدق وانا أتابع تعليق الدكتور العمري على اللقاء السريع مع MBC والذي شطب معظمه لضيق الوقت، أن يتحدث عن احداث يناير الدموية، والتي خسرنا فيها خيرة الرجال من الطرفين، وفقدت شخصياً خمسة من افراد اسرتي، ووفاة والدي اثناء الاحداث واحمد الله انهم لم يقتلوا وهم يدافعون عن الاحتلال البريطاني، او اسرة حميد الدين.
لقد شعرت ان حديثه لم يكن ودي، وليس له صلة بالوحدة والدفاع عنها، وإذا كان النقد الموضوعي والبناء عن الممارسات الخاطئة في المحافظات والوزارات والسفارات، ومن منطلق الحرص على الوحدة ممنوع، فعلى الوحدة السلام.
ان هذه الأحداث التي تدفع ثمنها حتى اليوم قد ساعدت على تحقيق الوحدة في 22 مايو 1990م وعلى استعادة الوحدة عام 1994 . والعودة الى الماضي في بعض مراحله المظلمة سواء كان في الجنوب او في الشمال حقيقة لا يخدم الوحدة الوطنية، التي يحرص كل مواطن شريف على تعزيزها.
س8- كلمة أخيرة أو إضافة تودون قولها؟
ج8- أحب ان أهنئ الشعب اليمني بهذه المناسبة العظيمة كما أهنئ الرئيس علي عبد الله صالح وكل القيادات السياسية في مختلف الأحزاب والقوى السياسية بالذكرى العاشرة للوحدة.. وأقول للجميع ان تعزيز مسار الوحدة وتثبيت بنيانها يتطلب عملاً مستمراً دؤوباً ومخلصاً يأتي في مقدمته تعزيز الوحدة الوطنية وإشاعة الحوار الديمقراطي السليم بين مختلف القوى والأحزاب والشخصيات للبحث عن افضل السبل لضمان الاستقرار والانتقال إلى التنمية المتوازنة.