مقابلة 26 سبتمبر 2003
26/12/2003
لقاء الرئيس علي ناصر محمد
مع صحيفة " 26 سبتمبر "
المحاور / الأستاذ أحمد الجبلي مدير تحرير
س1 : يحتفل الشعب اليمني بعد أيام بأعياد الثورة اليمنية ( 26 سبتمبر و 14 أكتوبر ) ما تقييمكم لمسار هذه الثورة خلال سنوات؟
ج1 : أبدأ بتهنئة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح والشعب اليمني بهذه المناسبة الغالية والعزيزة على قلوب اليمانيين... كانت ثورة 26 سبتمبر نقطة تحول في تاريخ اليمن الحديث، وبصمودها وانتصارها أمكن تفجير الثورة المسلحة في جنوب البلاد، بقيادة الجبهة القومية، وهي الثورة التي نحتفل بالذكرى الأربعين لانطلاقها، وقد تُوِّجَ هذا الكفاح بتحقيق النصر على قوات الاحتلال وإنجاز استقلال الجنوب، وهو ما مَثَّلَ أساساً ومدخلاً للنضال من أجل استعادة الوحدة اليمنية التي أعتبرها أهم إنجازات ثورتي 26 سبتمبر و 14 أكتوبر.
س2 : لا جدال في أن الثورة اليمنية رغم حالة التشطير التي كانت قائمة، إلا أن الوصول إليها ومراحل النضال التي خاضها الشعب اليمني في الشطرين لم تكن منفصلة عن بعضها، كيف يمكنكم وصف العلاقة النضالية للثورتين سبتمبر وأكتوبر؟
ج2 : أتفق مع استخلاصكم ..... كان العمل الوطني موحداً والحركة الوطنية موحدة في نضالها ضد الاستعمار والإمامة.... والأهم من ذلك أن معظم الأحزاب حينها في الساحة اليمنية كانت لها قيادات موحدة في عموم اليمن، وخاضت معارك موحدة في كلا الشطرين، سواء ضد الاحتلال أو في الدفاع عن الثورة والنظام الجمهوري في صنعاء.
س3 : بينما كان الشعب اليمني في جنوب الوطن سابقاً يعيش مرحلة الكفاح المسلح ضد الاحتلال البريطاني، تفجرت الثورة في الشمال على الحكم الإمامي، كيف استقبل المناضلون ذلك الحدث؟
ج3 : استقبل المناضلون في الجنوب هذا الحدث بالابتهاج الكبير، وباعتباره المدخل الصحيح لبناء اليمن الحديث، ولكن الأهم كان استقبال الجماهير في الجنوب اليمني المحتل. حيث هبت في عدن وكافة المحميات هبة رائعة لاقتناص هذه الفرصة التاتريخية ونظمت بشكل مذهل مساندتها لثورة سبتمبر، بالدم والمال والرجل والسلاح... وأتذكر آلاف المقاتلين من أبناء الجنوب الذين التحقوا بالحرس الوطني والجيش الجمهوري فاعاً عن الثورة. وأتذكر كبف أن أصحاب رؤوس الأموال ورجال الأعمال والموظفين عملوا سريعاً على تأسيس البنك اليمني للإنشاء والتعمير مساهمين بأموالهم في عملية الدفاع عن النظام الجديد والذي كان يفتقر لمثل هذه المؤسسات المالية والاقتصادية.
س4 : وكيف كانت ردة الفعل لدى سلطات الاحتلال البريطاني عند الإعلان عن الثورة من صنعاء؟
ج4 : كما تعرفون كانت جماهير عدن الباسلة قد زحفت على المجلس التشريعي قبيل قيام الثورة مما يؤكد أن الزخم الثوري الجماهيري كان في ذروته... وكانت جماهير عدن تجسد بتشكيلتها الوحدوية وأحزابها ومنظماتها النقابية الموقف الواعي والصحيح من الوحدة الوطنية واليمنية، ولهذا فقد التقطت الجماهير وأحزابها أهمية هذه اللحظة الثورية باعتبارها ناقوس الخطر على الاحتلال البريطاني وقواته وحلفائه، ولهذا هبّوا للدفاع عن ثورة سبتمبر ووقفوا في وجه القوى المناهضة لها. وصعّدوا موقفهم بإعلان ثورة أكتوبر التي أرغمت الاحتلال على الرحيل في 30 نوفمبر 1967م.
س5 : في مسألة النضال المشترك أو واحدية الثورة بمعنى أصح، ما هي أبرز محطات ذلك النضال التي ما تزال عالقة بذاكرتكم؟
ج5 : لقد كان النضال المشترك أو ما تسميه واحدية الثورة مجسداً في أوساط القوى الوطنية والجماهير، فقد كانت عدن وجماهيرها حاضنة القوى الوطنية جميعها بما فيها، التي لم تكن تستطيع العمل علانية في الشطر الشمالي، وهكذا شهدت عدن ميلاد الأحرار اليمنيين. وكانت تعز وجماهيرها حاضنة القوى الوطنية جميعها في نضالها ضد الاحتلال في الشطر الجنوبي، وبعد استقلال عدن قامت سريعاً بتطويق ومحاصرة وإنهاء القوى المضادة للجمهورية والتي كانت تتجمع وتتسلح وتعمل انطلاقاً من من بيحان وحريب...
وقد تزامن الانسحاب المصري والبريطاني من اليمن خلال شهر نوفمبر 1967م، بعد حركة 5 نوفمبر ومغادرة المشير السلال للسلطة... وبدأ كل شطر الانشغال بهمومه، فالجنوب مر بحرب أهلية حتى نهاية 1967م ثم بدأت مشاغل الاستقلال وبناء الدولة في عدن .... والشمالانشغل بحرب أهلية والقوى التي كانت تسمى بالقوى الملكية، إضافة إلى الخلافات بين القوى السياسية المختلفة.
ولكن صنعاء صمدت بالاعتماد على قوى الجماهير اليمنية الذاتية حتى تحقق النصر وفك الحصار، كما اعتمدت الجبهة القومية في مرحلة حصينة على نفسها وقواها الذاتية بعد أن تخلى المصريون عنها لصالح جبهة التحرير واستطاعت أن تعتمد على جماهير الشعب وفي تلك المراحل كانت القوى السياسية تبحث عن كيفية توحيد قواها لاستعادة اليمن الواحد.
س6 : تعرضت ثورة 26 سبتمبر لكثير من المؤامرات في محاولة لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، خاصة بعد انسحاب القوات المصرية ، كيف كانت القوى الثورية في جنوب الوطن تنظر إلى ذلك، وماذا كان موقفها منها؟
ج6 : لقد تعرضت ثورة سبتمبر لمقاومة عنيفة وحرب أهلية استنزفت قواها، وتداخلات خارجية عديدة وحرب أهلية ولكن التفاف كل القوى الوطنية في شمال وجنوب اليمن مكنها من تجاوز الأزمة وانتصارها برؤيتها المستقبلية.
س7 : اختلفت الآراء حول دور مصر عبد الناصر في اليمن ودعمها للثورة، فبينما اعتبره فريق واجب قومي، رأى فريق آخر أنه تدخلٌ في شؤون اليمن ونكاية بالآخرين وبحثاً عن زعامة، فما الذي ترونه أنتم؟
ج7 : موقف مصر عبد الناصر لم يجر تقييمه تقييماً موضوعياً وعلمياً واستراتيجياً ولهذا تعددت الرؤى ووجهات النظر انطلاقاً من المراقف السياسية حينها. ولكنني لا أشك لحظة في أن ما قامت به مصر عبد الناصر كان ودراً قومياً مميزاً يستم جيب لحركة التاريخ... فعبد الناصر الذي ساند ثورة الجزائر، لم يكن يبحث عن الزاعامة في جبال الأوراس ولا في أغال إفريقيا عندما ساند لومومبا وبقية الثورات الإفريقية وعمل على تحرير القارة من البريطانيين والفرنسيين والبلجيك وغيرهم.
وهكذا ساند عبد الناصر الثورات في المنطقة العربية وفي مقدمتها ثورتي اليمن شمالاً وجنوباً.
س8 : هل تعتقدون أنه إذا لم تتدخل مصر كان يمكن للثورة أن تنجح؟
ج8 : نعم كانت ستنجح الثورة بالاعتماد على الشعب، لأن عام 1962م كان مختلفاً عن عام 1948م ولكن ربما كانت معاناة اليمنيين أشد بدون العون المصري.
س9: ليس جديداً القول بأن الكثيرين كانوا يرون أنه في ظل واحدية الثورة والنضال المشترك للتخلص من الإمامة والاستعمار، فإن الفرصة كانت مواتية عقب الجلاء مباشرة لإعلان الوحدة اليمنية، هل تتفقون مع ذلك أم تعارضونه؟ ولماذا؟
ج9 : لقد انشغل الجميع حينها في الشمال والجنوب أولاً بالدفاع عن صنعاء، وثانياً بمواجهة تبعات ومخلفات الاحتلال في عدن... وخاضت الجبهة القومية ومختلف القوى السياسية وجماهير الشعب معارك ضارية من أجل وحدة الجنوب أولاً وهو ما عجزت عنه حتى قوات الاحتلال، وكان ذلك مرحلة هامة على طريق وحدة اليمن.
ويجب أن نعترف أن الظروف لم تكن مهيأة مثلاً لقيام الوحدة على الطريقة الفييتنامية لأسباب داخلية وإقليمية ودولية ... ويجب علينا تقييم هذه المسألة تقييماً صحيحاً بعيداً عن المماحكات السياسية اليوم.
س10 : بعد إعلان الاستقلال الوطني، وما رافق ذلك من تحولات . ألم يكن غريباً تحول الجنوب إلى النظام الشيوعي كحالة كانت تعتبر شاذة في المنطقة مقابل النظام الرأسمالي الذي كان قائماً في الشمال؟
ج10 : لم يتحدث قادة الجنوب ولا وثائق الدولة عن نظام شيوعي! كنا نتحدث عن نظام ذي توجه اشتراكي وهذا ما كانت تؤكد عليه وثائق الحزب الاشتراكي..
ولا شك في أن موجة التطرف اليساري قد بلغت ذروتها بعد النكسة في حزيران، وأحدثت انقسامات وانشقاقات في الأحزاب القومية وعلى مستوى الساحة العربية كما شهدت اتهامات للبرجوازية والبرجوازيين وعميلهم أسباب النكسة ، كما شهدت مطالبات العديد من قادة الأحزاب بالانتقال من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ، وكان للجبهة القومية نصيبها من هذا التطرف حين رفعت في المنطقة العربية شعارات غير واقعية.
س11 : شهد جنوب الوطن في ظل هذا النظام دورات من العنف والاقتتال الدموي منذ 1967م وحتى قيام الوحدة في مايو 1990م، هل كان ذلك نتيجة للصراع على السلطة أم لخلافات إيديولوجية وفكرية.. أم ماذا؟
ج11 : هذا صحيح تماماً فلقد اختلط الجانب الفكري والإيديولوجي بالصراع على السلطة... وكان البعض من القيادات وعن حسن نية مسكون بالمسألة القومية واستمرارها وتجذيرها، وكطان البعض الآخر يحاول تعميمها على المنطقة العربية، في حين استعمل آخرون ذلك في الصراع من أجل السلطة...
ولا شك أن تم ارتكاب سلسلة من الأخطاء والحماقات خلال المسيرة خصوصاً وأن العديد من القيادات كانت شابة وتنقصها الخبرة في قيادة الدولة والمجتمع... وكانت شديدة التأثر بتجارب الآخرين من الدول الاشتراكية والتي لم تكن خصائصها تنطبق على واقعنا... وأعتقد أن تجربتنا لم تكن الوحيدة التي عانت من ذلك بل إن معظم الثورات في الوطن العربي عانت من ذلك وإن بنسب مختلفة... فمعظم قادة الثورة الجزائرية والمصرية والعراقية والسورية والليبية واليمنية اختفوا من الساحة السياسية بطرق مختلفة بسبب هذه الصراعات مهما كانت مسمياتها، وقد دفعت الشعوب ثمن تلك الأخطاء، وفي اليمن وفي نفس تلك المرحلة فقدنا عدداً من القيادات في صنعاء وعدن في صراع السلطة.
س12 : هل يعني ذلك أنه لم يكن هناك مجالاً للقبول بالآخر؟
ج12 : من الصعب في هذه العجالة تقييم المخططات التي عانت منها الثورتين اليمنيتين وشمال اليمن وجنوبه، لأن ذلك يتطلب جهداً مكثفاً عن طريق إجراء ندوات وحلقات نقاش من قبل متخصصين موضوعيين للخروج بتقييم موضوعي لتجربة الثورة اليمنية .
ولكن أهم المخاطر التي تعرضت لها الثورة اليمنية في اعتقادي هو عدم الاحتكام للغلة الحوار وقبول الآخر، حيث استعيض عن ذلك بلغة العنف والتصفيات بدلاً من البحث عن قواسم مشتركة بعيداً عن الادعاءات العديدة بامتلاك الحقيقة المطلقة ورفض الآخر.
س13 : يرى كثيرون أن الاستقرار الحقيقي بدأ في اليمن وبالذات في الشطر الشمالي منذ تولي فخامة الرئيس علي عبد الله صالح مقاليد الحكم في 17 يوليو 1978م وهو ما أدى بعد ذلك إلى تحقيق الكثير من التحولات الكبيرة في كافة المجالات .. هل تتفقون مع ذلك؟
ج13 : لا شك أن الاستقرار الذي تحقق في فترة حكم الرئيس علي عبد الله صالح قد أدى إلى تحقيق إنجازات جمّة، كاستخراج النفط وقيام دولة مركزية في كل الشطر الشمالي وتوازن السياسة وهو ما قاد إلى أهم تلك الإنجازات وهي استعادة الوحدة اليمنية.
س14 : وبرأيكم لماذا أو كيف نجح الرئيس علي عبد الله صالح فيما فشل فيه الآخرون؟
ج14 : لقد تعلم الرئيس علي عبد الله صالح من الحياة والسلطة كثيراً، ولعل أهم سماته هي علاقاته الواسعة والمتنوعة مع كافة فئات المجتمع، وإبقاءه الخيوط حتى مع من يختلفون معه، وإمكاناته الكبيرة في توظيف الظروف المحلية والإقليمية والدولية لصالح برنامجه السياسي بما يخدم النظام والشعب في اليمن..
وأتمنى له كل التوفيق والنجاح في المهام الكبيرة المنتصبة أمام اليمن لتحقيق الرخاء والأمن والاستقرار بعد الصراعات والحروب التي عانت منها بلادنا.