لقاء مع صحيفة الخليج 2010
لقاء مع صحيفة الخليج الاماراتية
اجرى اللقاء الصحفي صادق ناشر
اللقاء 30-5-2010
1- مسار تحقيق الوحدة مر بالعديد من المنعطفات والمحطات التأريخية ، كيف وصل اليمنيون إلى الوحدة بعد تشطير دام لسنوات طويلة ، وكيف جرت الحوارات بين النظامين ، وأيهما كان أكثر جدية في مساعيه للوحدة ؟ .
بدأت فكرة الدعوة إلى الوحدة منذ الخمسينيات عند قيام الثورة المصرية، والأحزاب القومية كحزب البعث وحركة القوميين العرب والجبهة الوطنية واتحاد الشعب الديمقراطي ولكن هذه الأحزاب كانت تنادي بالوحدة اليمنية ولكنها كانت تسعى وقتها إلى تحرير الجنوب وقيام الدولة فيه على طريق الوحدة اليمنية، وفي شمال اليمن كانت بعض الأحزاب التي لها امتدادات قومية تدعو أيضاً إلى الوحدة ولكن بعض قياداتها كانوا يعملون ويسعون إلى إسقاط النظام الملكي أولاً وهذا ما حدث بعد قيام ثورة سبتمبر فقد توقفت الدعوة عند حدود الدولة الجديدة في شمال اليمن وإن كانت تحدثت عن هدف سادس للثورة باسم الوحدة الوطنية وقد يفهم ذلك الوحدة الوطنية في شمال اليمن (زيود وشوافع) ولم يكن هذا البند واضحاً في الدعوة الصريحة إلى الوحدة اليمنية، ولكن الشارع اليمني والجماهير اليمنية كانت أكثر وضوحاً وجرأة من قيادات النظامين في صنعاء وعدن وإن صدمت بعد ذلك بسبب الحديث عن الضم والأصل والفرع وسلسلة الأخطاء المسيئة والقاتلة للوحدة في نفس المواطن اليمني الذي خاض حروباً من أجلها في الشمال والجنوب وبين الشمال والجنوب وتحولت الدعوة والحروب إلى مصدر للارتزاق في ظل الحرب الباردة بين المعسكرين وحتى سقوط جدار برلين ، وقد استغرق الحوار من أجل الوحدة خمسة وعشرين عاماً تخللتها صراعات وحروب وسقوط زعامات وقيادات على درب العمل الوحدوي وكان كل نظام يغني على ليلاه وصنعاء تطالب بتحقيق الوحدة بالحرب أو بالسلم كما أكد على ذلك قرارات المجلس الوطني عام 1971-1972 بضم الفرع إلى الأصل وإسقاط النظام في عدن بحجة العلاقات مع المعسكر الاشتراكي والكفر والإلحاد ، وعدن كانت تسعى إلى إسقاط النظام الرجعي في صنعاء وتحقيق الوحدة اليمنية عن أساس برنامج الحزب الذي ترفضه صنعاء ودول المنطقة وحلفاؤها وحتى بعض حلفاء النظام في عدن كما حدث في حرب 1979م .. لم تكن النوايا صادقة من الطرفين ولهذا فقد كان الهروب إلى الوحدة مخرجاً لأزمات النظامين وأدخل اليمن من نفق جولدمور إلى نفق مظلم ولم تخرج منه حتى اليوم .. وربما ذلك أشبه بحال أبو عمار الذي كان يتحدث عن النفق المظلم وأنه يرى في نهايته مآذن القدس والصخرة ولكنه مات دون ذلك والأزمات تعصف بالقضية الفلسطينية في غزة ورام الله حتى اليوم.
2- أي المحطات التاريخية اقتربت أكثر من الوحدة، ولماذا لم يستغلها النظامان ؟
كانت فترة الثمانينات قد شهدت جواً ساد خلاله الهدوء والاستقرار في شمال اليمن وجنوبه خاصة بعد أن احتكم الطرفان إلى لغة الحوار بدلاً من لغة السلاح التي كانت تترجم طريق كل منهم إلى تحقيق الوحدة، وكان المفروض أن يتوحد الجنوب أولاً والشمال ثانياً قبل الوحدة بالمصالحة الوطنية التي كنت أنادي بها وقدمتها على كثير من الأفكار التي كانت تعرض في حيته بما في ذلك فكرة استعادة السلطة في عدن والتي لم تكن تشكل هاجساً بالنسبة لي بمقدار ما كانت تشكله المصالحة الوطنية ، ثم كان لزاماً أن يجري بعد المصالحة الاستفتاء على الوحدة ولكن الحزبين الحاكمين اقتسما السلطة والثروة وحتى الزمرة .
3- هل أعاق انتماء النظامين إلى المعسكرين الدوليين في إحراز تقدم جدي في تحقيق الوحدة ، خاصة عند اشتداد الحرب الباردة بينهما ؟
كانت الوحدة خطاً أحمراً من قبل المعسكرين خاصة إذا كانت تتعارض مع مصالحهم وإستراتيجيتهم في اليمن والجزيرة والبحر الأحمر والقرن الإفريقي والمحيط الهندي، ففي عام 1972 اتخذ قرار محلي وإقليمي ودولي بإسقاط النظام في عدن وضم الفرع إلى الأصل وقد قدمت دول المنطقة كافة أشكال الدعم لصنعاء ولكن فشلوا، وبعد ذلك احتكم الطرفان إلى الحوار وتمخض عن ذلك اتفاقية القاهرة عام 1972التي وقع عليها رئيسي الوزراء في عدن وصنعاء (محسن العيني وعلي ناصر محمد) وسقط مشروع الضم والإلحاق وكانت ضربة لقرار الوحدة بالحرب . ولكن الضربة العكسية حصلت بعد مرور السنوات وتحقيق الوحدة بصورة اندماجية غير مدروسة عام 90م وذلك عندما اشتدت الخلافات بين الشريكين وقامت حرب 94م لتجسد الوحدة بالحرب والدم وبالرغم من أن الأيام أثبتت فشل هذه الفكرة من خلال الحراك الجنوبي السلمي الذي نهض بعد مضي عقد ونصف إلا أن هناك من لايزال حتى اليوم يردد ويراهن على شعار الوحدة أو الموت وهؤلاء لايتعلمون من التجارب ودروس التاريخ.
4- هل كان لعدم استقرار الأوضاع في الشمال والجنوب سبباً في تأخر تنفيذ اتفاقيات الوحدة؟
لاشك أن عدم استقرار الأوضاع في الشمال والجنوب كان عاملاً من عوامل تأخر تنفيذ اتفاقيات الوحدة ولاننسى أن مقتل الريس الشهيد ابراهيم الحمدي كان عشية اعتزامه القيام بزيارة إلى عدن وكانت تصفية ثلاثة رؤساء في فترات متقاربة على خلفيات سياسية مرتبطة بمشروع الوحدة ولكننا لانغفل عامل ربما أهم وهو أن الدول العظمى كانت ضد قيام الوحدة بدليل أن الوحدة تحققت عندما أعطي الضوء الأخضر لتحقيقها، وقد يقول البعض أن هذه إرادة الجماهير وأنا لا أشك في ذلك ولكن القرار بتحقيقها لم يكن قراراً يمنياً بحتاً، ولو كان ذلك لتحقق قبل ذلك بكثير، وقد شهدت هذه الفترة صرعات وحروب من أجل الوحدة سقط خلالها عدد من الرؤساء في صنعاء وعدن بين قتيل ومعتقل ومنفي خارج الوطن .
5- أين نجد دور المعارضين السياسيين الذين كان يحتضنهم كل نظام في إعاقة التوصل إلى تحقيق الوحدة ؟
كان دور المعارضة يقتصر على إصدار البيانات، وكانت المعارضة تعيش معززة مكرمة في الشطرين بل إن بعضهم كان يعيش في بحبوحة أكثر من وجودهم في مناطقهم ووظائفهم السابقة، وكان دورهم يقتصر على تحريض قادة النظامين للحصول على مزيد من الدعم والمساعدة باسم الوحدة وتحقيقها بالطرق العسكرية وقد تشكلت منظمات في الشمال والجنوب وتشكلت معها مصالح لهؤلاء وتحول بعضهم إلى تجار حروب على حساب الشعب الذي يدفع ثمن هذه الصراعات والخلافات والتفجيرات والتصريحات والحروب والتوتر وكانت مصلحتهم الإبقاء على الأوضاع كما هي، وهذا لا يعني ان الحال ينطبق على الجميع من قيادات المعارضة التي نعتز بتاريخ بعضهم الوطني والقومي.
6- أين هو الجهد العربي في تحقيق التقارب بين النظامين ؟
لم يبذل أي جهد عربي لتحقيق الوحدة، لا بل كانت هناك بعض الدول العربية تسعى إلى تعميق الخلافات والصراع بين النظامين في ظل الاستقطاب والحرب الباردة، وكان دور بعض الدول العربية والجامعة العربية هو القيام بالوساطة بالتهدئة ليعودوا إلى بلدانهم بعد ذلك محملين بالهدايا التذكارية بعد كل حرب حيث تتحول وساطتهم إلى جولات وضيافات في المحافظات وعلى حدود النظامين. ولعلنا اليوم أما سيناريو متكرر فأين هو الجهد العربي إزاء الأزمة اليمنية المتصلة في جزء أساسي منها بمسألة الوحدة وآثار حرب 94م ، وهذا الغياب عائد بشكل أساسي إلى تأطير الجهد العربي في السياق الرسمي والابتعاد عن الجماهير العربية التي تثبت على الدوام بأنها أكثر تجسيداً لحلم الوحدة العربية .
7- ما هي الظروف التي سبقت إعلان دولة الوحدة، وكيف سارت الخطوات في هذا الاتجاه؟
لقد سبق قيام الوحدة أحداث وحروب في الشمال والجنوب وبينهما أدت إلى إضعاف الطرفين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وانهيار المعسكر الاشتراكي في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات وانتهاء الحرب الباردة التي استمرت بين عامين (1945 – 1991)، وقيام مجلس التعاون العربي في فبراير عام 1989 المكون من (العراق واليمن ومصر والأردن) الذي عجل بقيام الوحدة اليمنية كل ذلك أدى إلى قيامها بعد مباركة أمريكا ودول الخليج لها والتي أتت بعد زيارة الرئيس علي عبد الله صالح إلى الولايات المتحدة الأميركية واللقاء مع الرئيس جورج بوش الأب، وزيارته لحفر الباطن واللقاء مع القيادة السعودية وهي العوامل التي يحلو لبعضهم توصيفها بـ"اللحظة التاريخية" إذ يعتبرونها لحظة كان لابد من التقاطها وهي مسألة ليست دقيقة بالضرورة فقد كانت ثمة عوامل ذاتية تتعلق بقيادات الشمال والجنوب تظافرت مع تلك العوامل الموضوعية وأدت إلى حدوث وحدة اندماجية مباشرة يعلن اليوم بعضهم ندمه عليها.
8- ما هي الصيغ التي كان يحملها كل طرف لتحقيق الوحدة أثناء حواراتهما ، ولماذا لم يتم الأخذ بـ " تمرحل الوحدة " عوضاً عن الوحدة الاندماجية ؟
جاءت الوحدة في غفلة من التاريخ وقد سبق ذلك انجاز اتفاقية القاهرة وانجاز الدستور وقيام المجلس اليمني الأعلى وإيقاف حروب المناطق الوسطى التي استمرت بين عامي 1972 – 1982 وقيام المشاريع المشتركة ، وكان لقيام المجلس اليمني الأعلى عام 1981 خطوة هامة على طريق الوحدة التدريجية والمرحلية التي أشرت إليها ومع الأسف أن البعض كان ضد هذه السياسة، واعتبر البعض أنني فرطت في الجبهة الوطنية والحسم العسكري لتحقيق الوحدة وكنت مؤمناً بأن الطريق إلى صنعاء يجب أن يمر عبر الاحتكام إلى لغة الحوار بدلاً عن لغة السلاح وبعد ذلك جرى الركض إلى الوحدة أو الهروب إلى الوحدة والهروب منها ويجري اليوم الهروب إلى الأمام بعد عشرين عام على تحقيقها من خلال تكريس سياسة الضم والإلحاق وعسكرة الجنوب وتسويف الحوار وقبل كل ذلك عدم الاعتراف بالقضية الجنوبية سياسياً وحقوقياً واجتماعياً.
9- ما هي ظروف مغادرتك اليمن مع أولى أيام دولة الوحدة ، ولماذا أصر خصومك السابقون على رحيلك ، وماذا كان موقف الرئيس علي عبدالله صالح ؟
كانت رغبة مشتركة من الطرفين لإخراجي من اليمن، بعد اتفاق نوفمبر في عدن 1989 وعندما اختلفوا عام 1994 طالبوا بعودتي إلى اليمن ولكني رفضت العرضين بالرغم من حماسة الاستقطاب وبلوغه الذروة.
10- ماذا تتذكرون من يوم الثاني والعشرين من مايو ، كيف عبرتم عن مشاعركم في ذلك اليوم ؟
لازلت أتذكر ذلك اليوم وكان أول المهنئين لي بقيام الوحدة هو المناضل محمد علي أحمد عند الساعة 12.00 ظهر يوم رفع العلم، وكان محمد علي ملاحقاً من قبل أجهزة نظام صنعاء لأنه طلب منه ومن أحمد مساعد حسين وأحمد عبد الله الحسني وعبد الله علي عليوه وعبد ربه منصور هادي الخروج من صنعاء، ولكنه رفض الخروج من صنعاء واليمن وكان هو المبادر إلى تقديم التهنئة وقد وجهت رسالة إلى الرئيس علي عبد الله صالح بهذه المناسبة ولكنهم للأسف لم يذيعوها .